فصل: (فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ):

(الْقِرَاءَةُ تُبَاحُ بِكُلِّ زَمَانٍ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقْتِ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَمَكَانٍ) فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ وَالصَّحَارَى وَغَيْرِهَا، (وَ) بِكُلِّ (حَالٍ)، أَيْ: قَائِمًا كَانَ أَوْ جَالِسًا، مُضْطَجِعًا أَوْ عَلَى جَنْبٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: إنِّي لَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى سَرِيرِي رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ. (وَلَوْ مَعَ نَجَاسَةِ فَمٍ) أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ، (لِسِوَى مُتَخَلٍّ وَمَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ)؛ فَتُحْرَمُ عَلَيْهِمَا. (وَتُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ (عَلَى أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مِنْ طَهَارَةِ) الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، (وَاسْتِقْبَالِ) قِبْلَةٍ، (وَلَا بَأْسَ بِهَا لِمُضْطَجِعٍ، وَمَاشٍ وَنَحْوِهِ) كَرَاكِبٍ، (وَلَا تُكْرَهُ بِطَرِيقٍ) قَالَ إبْرَاهِيمُ التَّمِيمِيُّ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ. (أَوْ)، أَيْ: وَلَا بَأْسَ بِهَا (مَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ مَعَ نَجَاسَةِ بَدَنٍ وَثَوْبٍ، وَلَا حَالَ مَسِّ ذَكَرٍ وَ)، حَالَ مَسِّ (نَحْوِ زَوْجَةٍ) وَجَارِيَةٍ مُبَاحَةٍ لَهُ. (وَتُكْرَهُ) الْقِرَاءَةُ (بِمَوَاضِعَ قَذِرَةٍ) تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ.
(وَ) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (حَالَ خُرُوجِ رِيحٍ) مِنْ قَارِئٍ، فَإِذَا غَلَبَهُ الرِّيحُ؛ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يُخْرِجَهُ، ثُمَّ يَشْرَعُ بِهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (جَهْرٌ بِهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ (مَعَ جِنَازَةٍ)، وَيَأْتِي. (وَكَرِهَهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةَ (ابْنُ عَقِيلٍ بِأَسْوَاقٍ يُنَادَى فِيهَا بِبَيْعٍ. وَحَرُمَ رَفْعُ صَوْتِ) الْقَارِئ (بِهَا)، أَيْ: بِالْقِرَاءَةِ بِأَسْوَاقٍ (مَعَ اشْتِغَالِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ (بِتِجَارَةٍ وَعَدَمُ اسْتِمَاعِهِمْ لَهُ) قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلٌ: كَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الطَّاعَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَهِيَ مَأْثَمٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَسْوَاقِ، يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُ السُّوقِ بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلَا أَهْلَ السُّوقِ يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِمَاعَ، وَذَلِكَ (لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ)، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: لَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ اشْتِغَالِ أَهْلِهَا بِتِجَارَتِهِمْ، وَعَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ. (وَكُرِهَ رَفْعُ صَوْتٍ بِقِرَاءَةِ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ) لِاشْتِغَالِهِمْ. (وَيَتَّجِهُ التَّحْرِيمُ): أَيْ: تَحْرِيمُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةٍ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ (لِلْإِيذَاءِ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لَهُمْ الْقِرَاءَةُ إذَنْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ وَتَرْكُهَا)، أَيْ: السُّرْعَةِ (أَكْمَلُ)؛ لِأَنَّ التَّرْتِيلَ مُسْتَحَبٌّ. (وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ)، وَقَالَ حَرْبٌ: حَسَنَةٌ، وَهِيَ: (بِأَنْ يَقْرَأَ قَارِئٌ، ثُمَّ يَقْطَعَ، ثُمَّ يَقْرَأَ غَيْرُهُ) بِمَا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ، وَهَكَذَا؛ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُدَارِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ بِرَمَضَانَ. (وَحَكَى الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا) أَيْ: قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ (حَسَنَةٌ، كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمَعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ؛ فَعَنْهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ، كَمَا قَالَتْ الْأَنْصَارُ. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: مَا أَكْرَهَهُ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى عَمَلٍ إلَّا أَنْ يُكْثِرُوا، قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ: يَعْنِي: يَتَّخِذُوهُ عَادَةً.
قَالَ فِي الْفُنُونِ: أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِيَ يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً. (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَالْأَصْحَابُ (قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ، وَقَالَ: هِيَ بِدْعَةٌ)، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ، يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ، إلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ غِنَاءً» وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ وَنَظْمِهِ، وَالْأَلْحَانُ تُغَيِّرُهُ. (فَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا)، أَيْ: الْأَلْحَانِ (تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ، كَجَعْلِ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا: حَرُمَ) ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ)، أَيْ: عَنْ تَغْيِيرِ نَظْمِ الْقُرْآنِ، (فَقَالَ لِلسَّائِلِ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يُقَالَ لَكَ: يَا مو حَامِدُ؟) فَقَالَ: لَا.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (التَّلْحِينُ الَّذِي يُشْبِهُ الْغِنَاءَ مَكْرُوهٌ) وَلَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ، وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ، بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ. يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ: تَحْسِينُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّرَنُّمُ، وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ: يَتَغَنَّى بِهِ. (وَسُنَّ تَعَوُّذٌ قَبْلَ قِرَاءَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.
(وَ) سُنَّ (حَمْدُ اللَّهِ) تَعَالَى (عِنْدَ قَطْعِهَا)، أَيْ: الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، (عَلَى تَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ) عَلَيْهِ، لِجَعْلِهِ مِنْ آلِ الْقُرْآنِ.
(وَ) سُنَّ (سُؤَالُ ثَبَاتٍ) عَلَيْهَا، (وَ) إلْهَامِ قَصْدٍ (إخْلَاصٌ) فِي الْقِرَاءَةِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ. (وَإِنْ قَطَعَهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةَ (قَطْعَ تَرْكٍ) وَإِهْمَالٍ، (ثُمَّ أَرَادَهَا؛ أَعَادَ التَّعَوُّذَ، وَ) إنْ قَطَعَهَا (قَطْعًا لِعُذْرٍ، عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ) الْعُذْرُ (كَتَنَاوُلِ شَيْءٍ) أَوْ إعْطَائِهِ، أَوْ أَجَابَ سَائِلًا أَوْ عَطَسَ وَنَحْوِهِ؛ (فَلَا) يُعِيدُ التَّعَوُّذَ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ- قَالَ فِي الْآدَابِ-: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا، ثُمَّ يَقْرَأَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِهَا إذَنْ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ؛ سَقَطَتْ. (وَتَفَهُّمٌ فِيهِ)، أَيْ: الْقُرْآنِ (وَتَدَبُّرٌ بِقَلْبٍ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجِهِ كَثِيرًا بِغَيْرِ تَفَهُّمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ)، «لِقَوْلِ أَبِي مُوسَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا» وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَتَحْسِينُ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمُ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ فِيهِ أَوْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ. وَمِنْ الْآدَابِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُوسَى: الْبُكَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَبْكِ فَلْيَتَبَاكَ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ، وَيَتَعَوَّذَ عِنْدَ آيَةِ الْعَذَابِ، وَلَا يَقْطَعَهَا لِحَدِيثِ النَّاسِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إلَّا مِنْ حَاجَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى الْعُدُولِ الصَّالِحِينَ الْعَارِفِينَ بِمَعْنَاهَا، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إذَا قَرَأَ قَاعِدًا، وَيَتَحَرَّى أَنْ يَعْرِضَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ، وَيَفْصِلَ كُلَّ سُورَةٍ مِمَّا قَبْلَهَا بِالْوَقْفِ أَوْ التَّسْمِيَةِ، وَيَتْرُكَ الْمُبَاهَاةَ، وَلَا يَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا، بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَقَنَاعَةٍ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ. زَادَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ: وَأَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ، أَوْ نِيَامٍ، أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ. (وَيُمَكِّنَ حُرُوفَ مَدٍّ وَلِينٍ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ)، لِقَوْلِهِ: {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. (وَذَكَرَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَا جَاءَ فِي الْفِكْرِ) مِنْ الثَّوَابِ؛ فَقَالَ: (وَتَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ)، لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ الْهِمَّةِ وَتَرْكِ الْمُثَبِّطَاتِ عَنْ السَّيْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (الْإِسْرَاعُ) بِالْقِرَاءَةِ (أَفْضَلُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْقِرَاءَةِ،
(وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ: بِكُلِّ حَرْفٍ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً)؛ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَعْرَبَهُ؛ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ. وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ آخِرِهِ)، وَلَعَلَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (وَقِرَاءَةُ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ، يَعْنِي: مِنْ الْقُرَّاءِ) السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ (رَحِمَهُمُ اللَّهُ) تَعَالَى، (وَ) قِرَاءَةُ (الْأُخْرَى بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ آخَرَ) (جَائِزٌ وَلَوْ بِصَلَاةٍ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ)، أَيْ: تَغْيِيرٌ (لِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ) فَيَمْتَنِعُ، وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ.
قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ: إنْ كَانَتْ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْأُخْرَى؛ فَالْمَنْعُ تَحْرِيمٌ، كَقِرَاءَةٍ: {فَتَلَقَّى آدَم مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} بِرَفْعِهِمَا، أَوْ نَصْبِهِمَا، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا تُجِيزُهُ الْعَرَبِيَّةُ، وَلَا يَصْلُحُ فِي اللُّغَةِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قَرَأَ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الرِّوَايَةِ؛ لَا يَجُوزُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ، وَتَخْلِيطٌ عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ؛ فَإِنَّهُ جَائِزٌ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ لَا مَنْعَ فِيهِ، وَإِنْ كُنَّا نَعِيبُهُ عَلَى أَئِمَّةِ الْقِرَاءَاتِ، الْعَارِفِينَ بِالرِّوَايَاتِ، لَكِنْ مِنْ وَجْهِ تَسَاوِي الْعُلَمَاءِ بِالْعَوَامِّ، لَا مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ؛ إذْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ تَخْفِيفًا عَلَى الْأُمَّةِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ قِرَاءَةَ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لَشَقَّ عَلَيْهِمْ تَمْيِيزُ الْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ. (وَسُنَّ تَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلُهَا)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، يَعْنِي: إنَّ التَّرْتِيلَ وَالتَّدَبُّرَ، مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ، أَفْضَلُ مِنْ السُّرْعَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهْمُهُ وَتَدَبُّرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْمُرَتِّلُ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالْمُسْرِعُ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَأَعْتَقَ عَدَدًا مِنْ الْعَبِيدِ قِيمَتَهُمْ رَخِيصَةٌ.
(وَ) سُنَّ (إعْرَابُهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ، لِحَدِيثِ: «أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ، وَالْتَمِسُوا فِي إعْرَابِهِ»، (وَهُوَ)، أَيْ: الْإِعْرَابُ هُنَا: (مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ. (وَأَمَّا الْإِعْرَابُ النَّحْوِيُّ؛ فَيَجِبُ، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ عَمْدًا، وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِتَغْيِيرِهِ الْقِرَاءَةَ)، ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. (وَتُسَنُّ) الْقِرَاءَةُ (بِمُصْحَفٍ) لِإِشْغَالِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْعِبَادَةِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَكَادُ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا.
(وَ) يُسَنُّ (اسْتِمَاعٌ لَهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ، لِيُشَارِكَ الْقَارِئَ فِي أَجْرِهِ. (وَكُرِهَ حَدِيثٌ عِنْدَهَا)، أَيْ: الْقِرَاءَةِ (بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَلِأَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الِاسْتِمَاعِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. (وَسُنَّ حِفْظُ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا، وَحِفْظُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا بَنِي آدَمَ، وَالْمَلَائِكَةُ لَمْ يُعْطَوْا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ، وَهِيَ حَرِيصَةٌ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ. انْتَهَى.
قَالَ الدَّمِيرِيِّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ جِبْرِيلَ أَنَّهُ هُوَ النَّازِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}، أَيْ: تَتْلُو الْقُرْآنَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرَ جِبْرِيلَ، أَوْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِهِ بَقَاءُ حِفْظِهِ لَهُ جُمْلَةً؛ لَكِنْ يُبْعِدُهُ حَدِيثُ مُدَارَسَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ الْقُرْآنَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ يُلْهِمُهُ إلْهَامًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى تَبْلِيغِهِ، وَأَمَّا تِلَاوَةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا حِفْظُهُ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّهُ يَحْصُلُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِحِفْظِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ (مِنْ شَخْصٍ) وَاحِدٍ (لَا أَنْ كُلًّا) مِنْ جَمَاعَةٍ (يَحْفَظُ بَعْضًا) مِنْ الْقُرْآنِ، بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ مَا مَعَهُمْ لَاجْتَمَعَ جَمِيعُهُ؛ فَلَا يَسْقُطُ بِهِمْ الْفَرْضُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيَجِبُ حِفْظُ مَا) أَيْ: قَدْرِ (يَجِبُ فِي صَلَاةٍ، كَفَاتِحَةٍ)، لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا. (وَهُوَ)، أَيْ: الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الذِّكْرِ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي؛ أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ. وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْمَأْثُورِ مِنْ الذِّكْرِ فِي مَحَلِّهِ، كَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ؛ أَفْضَلُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ.
(وَ) الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ) وَزَبُورٍ، وَسَائِرِ الصُّحُفِ، (وَبَعْضُهُ)، أَيْ: الْقُرْآنِ (أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ) إمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَالْفَاتِحَةِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ صَرْفَ الزَّمَانِ فِي (مَا وَرَدَ) أَنْ يُتْلَى (فِيهِ) مِنْ الْأَوْقَاتِ (ذِكْرٌ خَاصٌّ)، كَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَالْمُقِيمِ، وَمَا يُقَالُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ مِنْ) صَرْفِهِ فِي (قِرَاءَةِ) الْقُرْآنِ تَأَدُّبًا أَنْ يُفَضَّلَ شَيْءٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ، بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ. (وَيُقَدَّمُ صَبِيٌّ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَبْلَ الْعِلْمِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ أَوَّلًا؛ تَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ لَزِمَهَا (إلَّا أَنْ يَعْسَرَ) عَلَيْهِ حِفْظُهُ كُلِّهِ؛ فَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ. (وَيُقَدَّمُ مُكَلَّفُ الْعِلْمِ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا يَجِبُ فِي صَلَاةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، (كَمَا يُقَدَّمُ كَبِيرُ نَفْلِ عِلْمٍ عَلَى نَفْلِ قِرَاءَةٍ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. (وَسُنَّ خَتْمُهُ) فِي (كُلِّ أُسْبُوعٍ)، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي النَّهَارِ كُلَّ أُسْبُوعٍ، يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا، لَا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَرًا، أَيْ: فِي الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَإِنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ؛ فَحَسَنٌ)، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ لِي قُوَّةً، قَالَ: اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. (وَلَا بَأْسَ بِهِ)، أَيْ: بِالْخَتْمِ (فِيمَا دُونَهَا)، أَيْ: الثَّلَاثِ (أَحْيَانَا) (وَسُنَّ إكْثَارُ قِرَاءَةٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلٍ، كَرَمَضَانَ وَمَكَّةَ، اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِالنَّشَاطِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ؛ فَمَنْ وَجَدَ نَشَاطًا فِي خَتْمِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا؛ كُرِهَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ. (وَكُرِهَ تَأْخِيرُ خَتْمِ) الْقُرْآنِ (فَوْقَ أَرْبَعِينَ) يَوْمًا (بِلَا عُذْرٍ)، قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ؛ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ. وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ. (وَحَرُمَ) تَأْخِيرُ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ (إنْ خَافَ نِسْيَانَهُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: مَا أَشَدُّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ)، صَاحِبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي مَعْنَى حَدِيثِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ: الْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ: أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ)، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ. (وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ الْقُرْآنَ لِاشْتِغَالِهِ بِعِلْمٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ، فَهُوَ غَيْرُ مَأْثُومٍ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ (يَخْتِمَ بِشِتَاءٍ أَوَّلَ لَيْلٍ) لِطُولِهِ، (وَبِصَيْفٍ أَوَّلَ نَهَارٍ) لِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَكَانَ يُعْجِبُ أَحْمَدَ، لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ؛ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيَسْتَحِبُّونَ الْخَتْمَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ؛ يَقُولُونَ: إذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ؛ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ؛ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. (وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ خَتْمِهِ) رَجَاءَ عَوْدِ نَفْعِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ إلَيْهِمْ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ رَجُلًا يُرَاقِبُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْتِمَ؛ أَعْلَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَيَشْهَدُ ذَلِكَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَنَسٌ إذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ، وَدَعَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى، لِحَدِيثِ أَنَسٍ «خَيْرُ الْأَعْمَالِ: الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ؛ قِيلَ وَمَا هُمَا؟ قَالَ: افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ، وَخَتْمُهُ». (وَيَدْعُوَ) عَقِبَ الْخَتْمِ نَصًّا، لِفِعْلِ أَنَسٍ، وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُكَبِّرَ فَقَطْ)، فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ (لِخَتْمِهِ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ آخِرِ الضُّحَى) إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ «رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ» رَوَاهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ بِإِسْنَادِهِ. (وَلَا يُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَخَمْسًا)، أَيْ: خَمْسَ آيَاتٍ (مِنْ) أَوَّلِ (الْبَقَرَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ أَثَرٌ صَحِيحٌ، (فَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ؛ (فَلَا بَأْسَ)، لَكِنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى.

.(فَصْلٌ): [تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ]:

(يُسَنُّ تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ) أَيْ: التَّأْوِيلُ (هُنَا: التَّفْسِيرُ) لَا إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ. (وَيَجُوزُ تَفْسِيرُ) الْقُرْآنِ (بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ) الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِهَا، وَ(لَا) يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ (بِالرَّأْيِ) مِنْ غَيْرِ لُغَةٍ وَلَا نَقْلٍ، (فَمَنْ قَالَ فِيهِ)، أَيْ: الْقُرْآنِ، أَيْ: فَسَّرَهُ (بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ)، أَيْ: لِيَنْزِلْ مَنْزِلَهُ (مِنْ النَّارِ، وَأَخْطَأَ وَلَوْ أَصَابَ)، لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجُوَيْنِيِّ عَنْ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ؛ فَقَدْ أَخْطَأَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: غَرِيبٌ، وَسُهَيْلٌ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. (وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ لِتَفْسِيرِ صَحَابِيٍّ)؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ، فَهُوَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَ(لَا) يَلْزَمُ الرُّجُوعُ لِتَفْسِيرِ (تَابِعِيٍّ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ: تَنْظُرُ مَا كَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ التَّابِعِينَ، لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى إجْمَاعِهِمْ، لَا عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمْ. قَالَهُ الْقَاضِي (وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، فَهُوَ تَوْقِيفٌ) مِنْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ. (وَحَرُمَ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ. فَيَقُولُ {ثُمَّ جِئْت عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} فَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسْتَعْمَلَ) الْقُرْآنُ (فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِتَعْظِيمِهِ وَاحْتِرَامِهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (إنْ قَرَأَ عِنْدَمَا يُنَاسِبُهُ فَحَسَنٌ، كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِذَنْبٍ تَابَ مِنْهُ: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا})، وَكَقَوْلِهِ عِنْدَ إصَابَتِهِ (وَعِنْدَ) مَا (أَهَمَّهُ: {إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ}، وَ) كَقَوْلِهِ (لِمَنْ اسْتَعْجَلَهُ): {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا هُوَ مُنَاسِبٌ لِمُقْتَضَى الْحَالِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْقِيصَ فِيهِ. (وَلَا يَجُوزُ نَظَرٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «غَضِبَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً مِنْ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ: أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»..؟ الْحَدِيثَ. (وَلَا) النَّظَرُ فِي (كُتُبِ أَهْلِ بِدَعٍ، وَ) لَا النَّظَرُ فِي (كُتُبٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَلَا رِوَايَتُهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ إفْسَادِ الْعَقَائِدِ. (وَيَتَّجِهُ جَوَازُ نَظَرٍ) فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبِدَعِ: لِمَنْ كَانَ مُتَضَلِّعًا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ شِدَّةِ تَثَبُّتٍ. وَصَلَابَةِ دِينٍ، وَجَوْدَةِ فِطْنَةٍ، وَقُوَّةِ ذَكَاءٍ وَاقْتِدَارٍ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْأَدِلَّةِ، (لِرَدٍّ عَلَيْهِمْ) وَكَشْفِ أَسْرَارِهِمْ، وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ أَهْلُ الْجَهَالَةِ بِتَمْوِيهَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ؛ فَتَخْتَلَّ عَقَائِدُهُمْ الْجَامِدَةُ. وَقَدْ فَعَلَهُ أَئِمَّةٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلْزَمُوا أَهْلَهَا بِمَا لَمْ يُفْصِحُوا عَنْهُ جَوَابًا. وَكَذَلِكَ نَظَرُوا فِي التَّوْرَاةِ، وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهَا ذِكْرَ نَبِيِّنَا مِنْ مَحَلَّاتٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُصْحَفِ) فِي بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
تَتِمَّةٌ:
يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ، وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ، لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو، وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو، وَلَا يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ.

.(بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ):

وَمَنْ تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَمَنْ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَمَوْقِفُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْأَعْذَارِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهِيَ (وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ عَيْنٍ، (لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} فَأَمَرَ بِالْجَمَاعَةِ حَالَ الْخَوْفِ، فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى، يُؤَكِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْتِهِ؛ فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَأَجِبْ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا، وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنَّا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ. وَيُعَضِّدُ وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَهَا حَالَ الْخَوْفِ عَلَى صِفَةٍ لَا تَجُوزُ فِي الْأَمْنِ، وَأَبَاحَ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْمَطَرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً؛ لَمَا جَازَ ذَلِكَ (عَلَى رِجَالٍ) لَا النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى (أَحْرَارٍ) دُونَ الْعَبِيدِ وَالْمُبَعَّضِينَ، (قَادِرِينَ) عَلَيْهَا دُونَ ذَوِي الْأَعْذَارِ، (وَلَوْ سَفَرًا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ)، لِعُمُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ. (وَيُقَاتَلُ تَارِكُهَا)، أَيْ: الْجَمَاعَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (كَأَذَانٍ)، أَيْ: كَمَا يُقَاتَلُ تَارِكُ الْأَذَانِ؛ لَكِنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا يُقَاتَلُ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ تَارِكُهَا وَإِنْ أَقَامَهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْأَعْيَانِ بِخِلَافِهِ، (لَا شَرْطًا)، أَيْ: لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ نَصًّا، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَأَبَا دَاوُد. وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْذُورِ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ لَوْ لَا الْعُذْرُ لِلْخَبَرِ. وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجِبَ لِلْعِبَادَةِ شَيْءٌ، وَتَصِحُّ بِدُونِهِ كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَكَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ؛ (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ مُنْفَرِدٍ) لَا عُذْرَ لَهُ. (وَيَأْثَمُ، وَفِي صَلَاتِهِ فَضْلٌ)؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ ثُبُوتُ الْأَجْرِ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَلَا نِسْبَةَ وَلَا تَقْدِيرَ. (وَتَفْضُلُ الْجَمَاعَةُ) عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً)، لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْفَذِّ مُفْرَدَةً؛ أَشْبَهَتْ الْعَدَدَ الْمُفْرَدَ، فَلَمَّا جُمِعَتْ مَعَ غَيْرِهَا أَشْبَهَتْ ضَرْبَ الْعَدَدِ، وَكَانَتْ خَمْسًا، فَضُرِبَتْ فِي خَمْسٍ؛ فَصَارَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَهِيَ غَايَةُ مَا يَرْتَفِعُ إلَيْهِ ضَرْبُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَأُدْخِلَتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ الْمُضَاعَفَةِ، فِي الْحِسَابِ. (وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ)، أَيْ: الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا (مَعَ عُذْرٍ)، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ، صَحِيحًا مُقِيمًا». (وَتَنْعَقِدُ) الْجَمَاعَةُ (بِاثْنَيْنِ)، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: «وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ)، لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِمَا، (وَلَوْ) كَانَتْ الْجَمَاعَةُ (بِأُنْثَى) وَالْإِمَامُ رَجُلٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، (أَوْ) كَانَتْ بِـ (عَبْدٍ)، وَالْإِمَامُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، لِمَا سَبَقَ.
وَ(لَا) تَنْعَقِدُ (بِصَبِيٍّ)، وَالْإِمَامُ بَالِغٌ (فِي فَرْضٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إمَامًا فِي الْفَرْضِ، وَيَصِحُّ فِي النَّفْلِ،؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَبِيٌّ فِي التَّهَجُّدِ» وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلٌ رَجُلًا مُتَنَفِّلًا. (وَتَحْصُلُ) الْجَمَاعَةُ (بِبَيْتِهِ وَصَحْرَاءَ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ؛ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَتُسَنُّ) الْجَمَاعَةُ (بِمَسْجِدٍ)، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الشِّعَارِ، وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ إقَامَتُهَا بِالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا، قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ أَدَّى ذَهَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَى انْفِرَادِ أَهْلِهِ؛ فَالْمُتَّجِهُ إقَامَتُهَا فِي بَيْتِهِ تَحْصِيلًا لِلْوَاجِبِ. وَلَوْ كَانَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا، وَفِي بَيْتِهِ صَلَّى جَمَاعَةً؛ تَعَيَّنَ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ، وَفِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ؛ كَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى (وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِمَقْضِيَّةٍ وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ، وَتَرَاوِيحَ)، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ.
(وَ) تُسَنُّ لِـ (عَبِيدٍ وَصِبْيَانٍ وَخَنَاثَى) تَحْصِيلًا لِلْفَضِيلَةِ.
(وَ) تُسَنُّ أَيْضًا (لِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ رِجَالٍ فِي دُورِهِنَّ)، لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. «وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ وَرَقَةَ بِأَنْ تَجْعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَسَوَاءٌ كَانَ (مِنْهُنَّ إمَامُهُنَّ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ، أَشْبَهْنَ الرِّجَالَ. (وَيُكْرَهُ لِحَسْنَاءَ) وَلَوْ غَيْرَ شَابَّةٍ (حُضُورُ جَمَاعَةٍ مَعَ رِجَالٍ)، خَشْيَةَ الِافْتِتَانِ بِهَا، (وَيُبَاحُ الْحُضُورُ لِغَيْرِهَا)، أَيْ: غَيْرِ الْحَسْنَاءِ، كَعَجَائِزَ لَا حُسْنَ لَهُنَّ، فَيَحْضُرْنَ الْجَمَاعَةَ (تَفِلَاتٍ، أَيْ: غَيْرَ مُطَيَّبَاتٍ) وَلَا مُزَيَّنَاتٍ يُقَالُ: تَفِلَتْ الْمَرْأَةُ تَفَلًا، مِنْ بَابِ، تَعِبَ؛ إذَا أَنْتَنَ رِيحُهَا لِتَرْكِ التَّطَيُّبِ وَالِادِّهَانِ، وَتَفِلَتْ: إذَا تَطَيَّبَتْ؛ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ، (بِإِذْنِ أَزْوَاجِ) هِنَّ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْتِي أَنَّهُ يَحْرُمُ خُرُوجُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا. (وَكَذَا مَجَالِسُ وَعْظٍ) وَأَوْلَى، لَكِنَّ بَيْتَهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، لِلْخَبَرِ. (وَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ)، أَيْ: النِّسَاءِ (تَطَيُّبٌ لِحُضُورِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا تَجْتَمِعُ فِيهِ الرِّجَالُ، كَصَلَاةِ عِيدٍ أَوْ اسْتِسْقَاءٍ، لِئَلَّا يُفْتَتَنَ بِهِنَّ. (وَمَنْ اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ) إلَى الْمَسْجِدِ، (أَوْ اسْتَأْذَنَتْهُ أَمَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ كُرِهَ) لَهُ (مَنْعُهَا) مِنْهُ، لِحَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ». (وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا، وَلَوْ) كُنَّ (بِمَكَّةَ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد. (وَلِأَبٍ ثُمَّ وَلِيٍّ مَحْرَمٍ) لِامْرَأَةٍ كَأُمٍّ وَعَمٍّ (مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ) مِنْ خُرُوجٍ مِنْ بَيْتِهَا (إنْ خَشِيَ) بِخُرُوجِهَا (فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا) اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ، (وَ) لِمَنْ ذُكِرَ مَنْعُهَا (مِنْ الِانْفِرَادِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ دُخُولُ مَنْ يُفْسِدُهَا، وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا. (وَمَنْ بِطَرِيقِ مَسْجِدِهِ مُنْكَرٌ، كَغِنَاءٍ)، لَمْ يَدَعْ الْمَسْجِدَ، بَلْ (يَمُرُّ وَيُنْكِرُهُ) بِحَسَبِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَيَحْضُرُ؛ وَيُنْكِرُهُ. (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ) إتْيَانُ الْمَسْجِدِ (إلَّا بِمَشْيِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ فَعَلَ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. (وَتُسَنُّ لِأَهْلِ كُلِّ ثَغْرٍ) مِنْ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ (اجْتِمَاعٌ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ)؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وَأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ، فَإِذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ؛ سَمِعَهُ جَمِيعُهُمْ وَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَهُمْ عَيْنٌ لِلْكُفَّارِ؛ رَأَى كَثْرَتَهُمْ، فَأَخْبَرَ بِهَا.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ لَسَمَّرْت أَبْوَابَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لِلثُّغُورِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ. (وَالْأَفْضَلُ لِوَجِيهِ غَيْرِهِمْ)، أَيْ: غَيْرِ أَهْلِ الثَّغْرِ (الْمَسْجِدُ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ) الْجَمَاعَةُ (إلَّا بِحُضُورِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَعْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَيُحَصِّلُهَا لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي غَيْرِهِ، (أَوْ تُقَامُ) فِيهِ الْجَمَاعَةُ (بِدُونِهِ)، أَيْ: حُضُورِهِ؛ (لَكِنْ فِي قَصْدِهِ غَيْرَهُ كَسْرُ قَلْبِ إمَامِهِ أَوْ جَمَاعَتِهِ)، فَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ أَوْلَى، (قَالَهُ جَمْعٌ)، مِنْهُمْ: الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ تَمِيمٍ. (ثُمَّ) إنْ اسْتَوَى حُضُورُهُ وَعَدَمُهُ، فَالْمَسْجِدُ (الْأَقْدَمُ)؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهِ أَسْبَقُ، (فَالْأَكْثَرُ جَمَاعَةً)؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا، (وَأَبْعَدُ) مَسْجِدَيْنِ قَدِيمَيْنِ أَوْ جَدِيدَيْنِ (أَوْلَى مِنْ أَقْرَبَ، وَلَوْ كَثُرَ جَمْعُهُ)، أَيْ: الْأَقْرَبِ. هَذَا الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَلِكَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ بِكَثْرَةِ خُطَاهُ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ تَقْدِيمُ مَا كَانَ أَكْثَرَ جَمْعًا عَلَى الْأَبْعَدِ. (وَفَضِيلَةُ أَوَّلِ وَقْتٍ أَفْضَلُ مِنْ انْتِظَارِ كَثْرَةِ جَمْعٍ)، قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: إنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَلَوْ قَلَّ الْجَمْعُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (وَتُقَدَّمُ جَمَاعَةٌ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ وَقْتٍ)؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ سُنَّةٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَسْنُونٍ. (وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ)، وَهُوَ (أَهْلٌ لَهَا)، أَيْ: الْإِمَامَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَتَبْطُلُ فَائِدَةُ اخْتِصَاصِهِ بِالتَّقَدُّمِ، وَمَعَ الْإِذْنِ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ؛ (فَلَا تَصِحُّ) إمَامَةُ غَيْرِ الرَّاتِبِ (قَبْلَهُ)، أَيْ: الرَّاتِبِ بِلَا إذْنِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ، وَمَعْنَاهُ فِي التَّنْقِيحِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا تَصِحُّ (مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ)؛ فَيُبَاحُ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَؤُمَّ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ.
(وَ) قُدِّمَ (فِي الرِّعَايَةِ) أَنَّهَا (تَصِحُّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَا يَحْرُمُ أَنْ يَؤُمَّ بَعْدَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَلَا افْتِئَاتَ عَلَيْهِ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: إلَّا لِمَنْ يُعَادِي الْإِمَامَ، أَيْ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ بَعْدَهُ لِقَصْدِهِ إيذَاءَهُ بِذَلِكَ فَيُشْبِهُ مَا لَوْ تَقَدَّمَهُ. (وَيُرَاسَلُ) رَاتِبٌ (إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتٍ مُعْتَادٍ مَعَ) سَعَةِ وَقْتٍ وَ(قُرْبِ) مَحَلِّهِ (وَعَدَمِ مَشَقَّةٍ)، لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ أَوْ يُعْلَمَ عُذْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ (فَإِنْ تَأَخَّرَ) حُضُورُهُ، (وَضَاقَ وَقْتٌ)؛ صَلَّوْا، (أَوْ بَعُدَ) مَحَلُّهُ، (أَوْ شَقَّ) الذَّهَابُ، إلَيْهِ، (أَوْ لَمْ يُظَنَّ حُضُورُهُ أَوْ ظُنَّ) حُضُورُهُ. (وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ)، أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُهُ مَعَ غَيْبَتِهِ؛ (صَلَّوْا)، «لِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ حِينَ غَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفَعَلَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَرَّةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسَنْتُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (وَيَتَّجِهُ: وَصَاحِبُ بَيْتٍ أَهْلٌ لَهَا)، أَيْ: الْإِمَامَةِ (كَرَاتِبٍ)، فَيَحْرُمُ أَنْ يُؤَمَّ أَحَدٌ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِلْخَبَرِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ صَلَّى) فَرْضَهُ (مُطْلَقًا)، أَيْ: مُنْفَرِدًا، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، (ثُمَّ أُقِيمَتْ) الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ (مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ وَقْتَ نَهْيٍ أَوْ لَا؛ (سُنَّ) لَهُ (أَنْ يُعِيدَ) مَعَ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ: إنِّي صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. (غَيْرَ مَغْرِبٍ)، فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَكُونُ بِوِتْرٍ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ- ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ- فَيُعِيدُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ، (وَلَوْ) كَانَ (مَسْبُوقًا، وَيَقْضِي مَا فَاتَهُ)، فَلَوْ أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّتِهِ رَكْعَتَيْنِ؛ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْهَا، وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ نَصًّا، لِعُمُومِ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (وَالْأَوْلَى فَرْضُهُ)، لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ؛ (فَيَنْوِي الثَّانِيَةَ نَفْلًا أَوْ ظُهْرًا مُعَادَةً مَثَلًا، وَلَا) يَنْوِي الثَّانِيَةَ (فَرْضًا)؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى أَسْقَطَتْ فَرْضَهُ. (وَيَتَّجِهُ: الْأَوْلَى: التَّفْوِيضُ) فِي النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَفْلٍ وَلَا فَرْضٍ، وَإِنْ نَوَاهَا نَفْلًا مُطْلَقًا؛ صَحَّ، لِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَكَذَا إنْ جَاءَ مَسْجِدًا) وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا، (وَلَوْ) كَانَ مَجِيئُهُ الْمَسْجِدَ (بِوَقْتِ نَهْيٍ، خِلَافًا لَهُمَا)، أَيْ لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ: فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الدُّخُولُ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَكَذَا إنْ جَاءَ مَسْجِدًا غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ، فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ؛ فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ جَاءَ إلَى الْمَسْجِدِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لَا يُعِيدُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إذَنْ حَتَّى يُصَلُّوا. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ، مَعَ أَنَّهُ مَشَى هُنَاكَ عَلَى مَنْعِهِ مُوَافَقَةً لِلْكِتَابَيْنِ، وَمَا قَالَاهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ: إنْ جَاءَ الْمَسْجِدَ (لِغَيْرِ قَصْدِهَا)، أَيْ: الْإِعَادَةِ، (وَ) إنْ كَانَ مَجِيئُهُ الْمَسْجِدَ (لِقَصْدِهَا)؛ فَإِنَّهُ (يُكْرَهُ)، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ كَانَ صَلَّى فَرْضَهُ وَحْدَهُ.
(وَ) جَاءَ الْمَسْجِدَ (بِوَقْتِ نَهْيٍ، وَقَصَدَ) الْإِعَادَةَ؛ (فَكَفِعْلِ مَا لَهُ سَبَبٌ) فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَالْمَذْهَبُ: لَا يَجُوزُ، فَلَا إعَادَةَ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْإِعَادَةَ. (وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ فِي) مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ كَغَيْرِهِ، (غَيْرِ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ) فَقَطْ، فَالْأَقْصَى كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَفِيهِمَا تُكْرَهُ، وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ أَرْغَبُ فِي تَوْفِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ أَيْ: لِئَلَّا يَتَوَانَى النَّاسُ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ، مَعَ الرَّاتِبِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ إذَا أَمْكَنَتْهُمْ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْأَئِمَّةِ الرَّاتِبِينَ بِالْمَسْجِدَيْنِ، لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَتَأَخَّرُ، وَفَوَاتِ كَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَذَاهِبُ. (وَلَا) تُكْرَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ (فِيهِمَا)، أَيْ: مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، (لِعُذْرٍ) فِي إقَامَتِهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا إذَنْ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِهَا. (وَلَيْسَ لِإِمَامٍ اعْتِيَادُ صَلَاةٍ مَرَّتَيْنِ، وَجَعْلُ ثَانِيَةٍ عَنْ فَائِتَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا، (وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. وَفِي وَاضِحِ ابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ فِعْلُ ظُهْرَيْنِ فِي يَوْمٍ، أَيْ: عَلَى اعْتِقَادِ فَرْضِيَّتِهِمَا، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُعَادَةً أَوْ فَائِتَةً؛ فَلَا مَانِعَ. وَمَنْ نَذَرَ أَنَّهُ مَتَى حَفِظَ الْقُرْآنَ؛ صَلَّى مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَحَفِظَهُ؛ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَهُ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَيُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. (وَسُنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ صَلَاةٌ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) جَمَاعَةً أُخْرَى؛ (سُنَّ لِبَعْضِهِمْ)، أَيْ: الْحَاضِرِينَ (أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ)، لِحَدِيثِ «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا؟». (وَيَتَّجِهُ): أَنَّ (هَذَا) الْفِعْلَ مَسْنُونٌ إذَا أَرَادَ فِعْلَ الصَّلَاةِ (فِي) مَوْضِعٍ (غَيْرِ مَسْجِدٍ اُعْتِيدَ بِإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ) جَمَاعَةٍ (أُخْرَى)، كَمَسْجِدِ دِمَشْقَ، وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمَعْمُورَةِ بِالْعِبَادَةِ، (وَإِلَّا) يُرِدْ فِعْلَهَا فِي مَسْجِدٍ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ أَرَادَ فِعْلَهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ (فَيَلْزَمُ) تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، لِئَلَّا تَفُوتَهُ فَيَأْثَمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.